منذ فجر التاريخ وهناك عدم انسجام فى العلاقة بين الحاكم والمحكوم , فدائماً ما يطالب المحكوم بالحرية والديمقراطية والعدل والمساواة , وغالباً ما يرى الحاكم بأن تحقيق ذلك بالشىء المستحيل , الأمر الذى يسمح لقوانين الحاكم بمعاقبة كل من يجرؤ على تعكير مزاجه ويطالب بحقة فى العدل والمساواة والحرية والديمقراطية. والويل كل الويل لمن يتهم الحاكم أو احد بطانته ومعاونيه بالتقصير والإهمال تجاه رعاياه .
فمن بين القصص الشيقة والتى نقلها علماء المصريات عن البرديات المصرية القديمة , قصة الفلاح "خونا نوب" والذى عرف عبر التاريخ بالفلاح الفصيح , ذلك الفلاح الذى إستطاع بفصاحته و إصراره أن يحصل على حقه المسلوب من خلال كتابته لتسع رسائل تمثل تسع شكاوى كتبت بإسلوب رائع وشديد البلاغة , ضارباً لنا المثل فى إصراره على إعادة حقه المسلوب , بإسلوب أدبى عظيم وبثقته فى نفسه وفى نصرة الحق والعدالة فى النهاية.
هو فلاح مصرى عاش منذ 4000 سنة فى قرية حقل الملح بمحافظة الفيوم المصرية . فى عهد الملك " نب كاورع " أحد ملوك هراكيلو بوليس ( مدينة أهناسيا الحالية ) وأحد ملوك الأسرة العاشرة
وإليكم قصته :
"خونانوب" هو فلاح مصرى بسيط ، كان يسكن فى منطقة " وادى الملح " فى وادى النطرون غرب إقليم الفيوم . وجد " خونانوب " ان مخزن الغلال اشرف على النفاذ فحمل قطيعا من الحمير بحاصلات قريتة واتجة نحو المدينة ليستبدل حاصلاتة بالغلال وكان الطريق يحتم علية بالمرور بمنزل" تحوتى ناخت" وهو موظف كبير, فعندما شاهده تحوتى طمع فى الحمير فأغلق الطريق امام الفلاح وإفتعل حيلاً لإيقاع بذلك الفلاح فى الخطأ من أجل معاقبته بمصادرة حميره - الطامع فيها- فأضطر للسير داخل الحقل المملوك للملك فأكل حماره شيئا من الحقل فأنقض
" دجحوتى نخت " على الفلاح وقبض علية وصادر الحمير وتعرض الفلاح للإهانة والتعذيب والسجن بتهمة أكل حماره من محصول أرض الملك دون وجه حق والاخلال بأمن الدولة .
" دجحوتى نخت " على الفلاح وقبض علية وصادر الحمير وتعرض الفلاح للإهانة والتعذيب والسجن بتهمة أكل حماره من محصول أرض الملك دون وجه حق والاخلال بأمن الدولة .
وأمام هذا الموقف لجأ "خونانوب" إلى حاكم الإقليم وأمير المقاطعة "رينسى بن ميرو" لكى يشكو إليه ما حدث له من الموظف الكبير الظالم أملاً فى أن يحصل على حقه.
وبعد تعب ومشقة وصل "خونانوب" الى بيت حاكم الإقليم وقدم إليه شكواه , قرأ حاكم الإقليم شكوى "خونانوب" مرة واثنان وثلاثة ,لأعجابه ببراعة أسلوب ذلك الفلاح "خونانوب" فى الشكوى , وساله مراراً عن كاتب هذه الشكوى , فأجابه انا من كتب كل كلمة بها ياسيدى حيث قال فى شكواه الأولى :
"إذا ذهبت لبحر العدل وسحت عليه في نسيم عليل فإن الهواء لن يمزق شراعك وقاربك لن يتباطأ، ومرساك لن ينكسر ولن يغوص قاربك حينما ترسو علي الأرض.
ولن يحملك التيار بعيداً ولن تري وجهاً مرتاعاً. إنك أب لليتيم وزوج للأرملة وأخ للمهجورة.. دعني أجعل اسمك في هذه الأرض فوق كل قانون عادل فتكون حاكماً.. خلا من الشره وشريفاً بعيداً عن الدنايا فهل لك أن تسمع: أقم العدل أنت الممدوح الذي يمدح من الممدوحين اكشف عني الضر انظر، انظر إلي إن حملي ثقيل"
ولن يحملك التيار بعيداً ولن تري وجهاً مرتاعاً. إنك أب لليتيم وزوج للأرملة وأخ للمهجورة.. دعني أجعل اسمك في هذه الأرض فوق كل قانون عادل فتكون حاكماً.. خلا من الشره وشريفاً بعيداً عن الدنايا فهل لك أن تسمع: أقم العدل أنت الممدوح الذي يمدح من الممدوحين اكشف عني الضر انظر، انظر إلي إن حملي ثقيل"
أعجب الوزير بفصاحة وبلاغة اللغه التى عرض بها الفلاح شكواه واحس بظلمه وأمله فى الحصول على العدل والحق . فعرض شكواه على الفرعون " نيبقورع" الذى أمر الأمير "رينسى بن ميرو" بإعادة الفلاح " خونانوب " إلى أسرته دون مضايقة وبعد عودته للببيت , فوجئ بوجود طعام وشراب وقد أبلغته زوجته أن الإله "ماعت" أرسل إليه هذه الخيرات لأنه يعلم أن زوجها مظلوم ولكى يخفف عنة ويكافئه.
ولكن كل هذا لم يرضى " خونانوب " فقرر بألا يسكت عن طلب الحق فجلس فى إصرار ليكتب شكواه الثانية ، وصمم متمسكاً بموقفه الطالب لعودة حقه وتحقيق العدل. وكانت الشكوى هذه المرة تتسم بالقوة والحماسة والحدة ،كانت عنيفة حيث قال فيها :
" يا عظيم العظماء , يا أغنة الأغنياء , أليس من الخطأ ان يميل ميزان وينحرف ثقل , ورجل مستقيم يصير معوجاً . فأنت الدفة فلا تنحرف , وانت الميزان فلا تميل . كن معيناً حتى تظهر قيمتك واضحة . إجعل لسانك ينطق بالحق . فانت يأعلم الناس , أيعقل انك تجهل أمرى . يا مرشد كل غارق , نجنى مما أبتليت به ".
وعندما قرأ الأمير الشكوى الثانية أثرت فيه و لكنه لم يستطع فعل شيء له خوفاً من غضب الفرعون لكن ضميره كان يؤرقه لاحساسه بحجم الظلم الذى تعرض له الفلاح "خونانوب" فطلب من الحارس الخاص به أن يأخذ قافلة و يذهب بها الى بيت "خونانوب" و عندما وصل الحارس إليهم قال لهم انه حارس المعبد أتى بهذة الخيرات لاعانته فى محنته .ولكن "خونانوب" ظل غاضبا لأنه لم يستطع الحصول على حقه بالشكل الذى يرضيه فهو يريد حميره . ففكر فى كتابه شكواه الثالثة .ولكن قبل أن يرسلها ذهب إلى الأمير "رينسي بن ميرو" ليسأله عن مصير شكوتاه السابقتين ، فلم يستطع الأمير إجابته , كانت الإجابة تقف في حلقه . لا يستطع النطق بها. ولكنة وعده بالنظر فى شكواه , الأمر الذى دفع " خونانوب " بالشروع فى كتابة شكواه الثالثة لعدم إرتياحه لرد الأمير.
أرسل خونانوب الشكوى الثالثة رافعا صوته ومناديا بحقه حيث قال فيها :
" أيها المدير العظيم . يا سيدى , ضيق الخناق على السارق , وارحم الفقير , فلا تكذب وأنت العظيم , ولا تكن ضعيفاً وأنت الرزين , ولا تقل الكذب , وأنت ميزان العدل فى البلاد , ولا تميل وأنت الاستقامة نفسها , إتق قرب الأخرة "
عاد "رنسي بن ميرو" إلى قصره حزينا و غاضبا فهو لا يستطيع التحمل أكثر من ذلك. و كلمات الفلاح المسكين تحمل له اتهاما صريحا بالكذب و الظلم و تنذره بالموت و عقاب الإله .الملك" نيبقورع" الفرعون لا يهتم بنصرة الحق والانتقام والثأر من الظالم ولا يستطيع تعويض "خونانوب "عن ما يعانيه من آلام نفسيه ومادية جراء الظلم الذى تعرض له.
أخذ الأمير فى إرسال شكاوى الفلاح إلى الفرعون .كان الأمير واثقا أن الملك سيغير رأية بعد أن يقرأ شكوى "خونانوب" هذه. إنتظر الأمير رد الملك الفرعون ولكن الرد المتوقع من الفرعون كان مخيباً للأمال .
خيب الفرعون آمال الأمير وأرسل جواباً بأمر ملكى واضح وقاطع قال فيه" لا تجيب على شكوى خونانوب "
صرخ "رينسى بن ميرو" وكاد رأسه ينفجرمن الصراخ . وبدأ يسال نفسه فى عجب قائلا :لماذا يصر الفرعون على تجاهل شكوى الفلاح ؟ وفى نفس الوقت يطلب أن تأتى إلية شكاوى الفلاح أولا بأول!!! كان يسأل فى غرابة : كيف يهتم بالشكاوى ويأمر بعدم إجابتها والرد عليها . كاد "رينسى بن ميرو" أن يفقد عقله لعجزه عن رفع الظلم عن الفلاح ومخالفة أوامر الفرعون.
وبينما كان رينسى يفكر فى هذا الأمر فإذا بخادمه يحمل رسالة جديدة دق َقلب" رينسى بن ميرو" فإنه يعرف الرسالة من شكلها الخارجى إنها رسالة جديدة من "خونانوب" فياترى ماذا يقول الفلاح فى رسالته الجديدة هذه . أسرع الأمير بفتح الشكوى وهو فخور بتصميم هذا الفلاح فى الحصول على حقه وبينما هو يقرأ الشكوى بدات علامات وجهه تتغير حتى ملأ الغضب وجهه حيث قرأ فيها :
" أنت عادل لا وجود لعدله , لقد وليت وجهك شطر الظالمين , فمن عسى أن يرد الضلال والفجور ؟ لا تكن ظالماً حتى لا تدور عليك الدوائر . فهذه هى المرة الرابعة التى أستجير بك فيها , فهل سأقضى عمرى فى ذلك "
كانت الإتهامات الموجهة للأمير قاسية و مباشرة و الأقسى من ذلك أنه لا يستطيع تبرئة نفسه من هذه الإتهامات, لإحساسه بالمسئولية تجاه رعاياه. ولكن رسائل "خونانوب" بدأت تغضبه لما بها من إتهامات مباشرة له بأنه لا يحقق العدالة للمظلومين , فأراد أن يوقفه عن إرسال شكاويه مرة أخرى . خاصة إن الفرعون لا يهتم بشكواه وهو لايستطيع فعل شىء يخالف رغبة وأوامر الفرعون , فأرسل الأمير لاحضار الفلاح "خونانوب".
دخل خونانوب إلى حاكم الإقليم
فحدثه الأمير بغضب و هدده بالسجن و الضرب بالسوط إذا لم يكف عن الشكاوي و الإهانات . لم يخف" خونانوب" من تهديد الأمير له, حاولت زوجته بكل الطرق أن تدفعه للكف عن الشكاوى و أن يترك الأمر للإله و هو الذي سيثأر له و لكن ابنه" تحوت زاده " حماسه وشجعه على مواصلة كتابة الشكاوى وعدم التفريط فى حقه . الأمر الذى دفع "خونانوب" الى كتابة شكواه الخامسة ليفهم الأميرأنه سيكمل المشوار حتى نهايته . و كانت هذه الشكوى أشد حده و قوه جاء فيها:
" لقد نصبت لتسمع الشكاوى وتفصل بين المتخاصمين وتضرب على يد السارقين , ولكنى لا أراك تفعل شيئاً غير مناصرة الظالمين , أولاك الناس ثقتهم فتخليت عنهم "
عاد القلق إلى" دجحوتي نخت "- الموظف الظالم - بسبب كثره زيارات خونانوب للأمير , طمئن نفسه بإعتقاده أن السبب في هذه الزيارات هي الشكاوى و أمر رجاله بالتربص لخونانوب لينهالوا عليه ضرباً حتى لا يقوى على الكلام بينما جلس الأمير في قصره يقرأ شكوى خونانوب و يسأل عن طبيعة هذا الرجل المصر على إستعادة حقة مهما كلفه ذلك !!!
فقد قرر الأمير أن ينفذ تهديده لخونانوب و ذهب رنسي إلى قاضي المقاطعة و أطلعه على شكوى خونانوب و طلب رنسي من القاضي أن يخفف العقوبة عن خونانوب بقدر ما يستطيع ,وتم القبض على خونانوب و حكم عليه بالجلد بالسيط بدلا من الحبس .
وقام رجال" دجحوتى نخت " بزف الخبر السعيد إلى رئيسهم فسر وإطمئن . تحمل خونانوب آلامه من قرعات السياط وعاد إلى بيته ولكن " تحوت زاده " - الابن - كعادته أخذ يقوى من ساعد أبيه ويصبره ويدعوه لمواصلة الشكاوى .ويواصل خونانوب فى إصرار لا مثيل له ويكتب مرة أخرى , شكوى أخرى فقد عاهد نفسه بالدفاع عن حقه حتى يناله أو يموت دونه وبدأ شكواه السادسة :
" إن حزنى يحمنى على الفراق ويدفعنى الى الرحيل . لا تتوان فى شكايتى, أنك تسيّر أمورك على عكس ما ينبغى "
نظر الأمير الى الشكوى متسائلا عن طبيعة ذلك الرجل الفلاح , المصر على إسترجاع حقه بالرغم من كل محاولات الأمير لإرضاءه وتعويضه بطريقة أو بأخرى وإقناعه بالتخلى عن الشكاية , فالأمل فى إستعادة حقه بات معدوماً . فتح الأمير الرسالة ولكن حديث خونانوب عن ترك البلاد كان مؤلما ولو نفذ خونانوب هذا التهديد ورحل لطاردت الأمير عقدة الذنب فقرر أن يفعل شيئا من أجل خونانوب وبدأ يفكر :أخيرا لمعت فى ذهنه فكرة وهى الإستعانه برئيس الشرطة.
طلب الأمير من رئيس الشرطة بالتحقيق فى سلوك الموظف" دجحوتى نخت " وأمره بعدم القبض علية مهما جمع من أدلة ضده. وفى وقت قصير جمع رئيس الشرطة الأدلة وتعجب كثيرا عندما رأى الجرائم الموجهة إلى دجحوتى دون أن تقدم فى حقه شكوي واحدة - ذلك الموظف الظالم , المستغل لوظيفته , الظالم للناس , مرتكب الجرائم فى حق الشعب؟ أخذ يتساءل ويتساءل وبذل جهدا كبيراً في إقناع الناس بخطأهم وسكوتهم على الظلم.
وبسرعة ذهب رئيس الشرطة إلى الأمير ليضع تحت يديه الأدله والبراهاين التى تدين ذلك الموظف الفاسد وكان ينتظر بشغف لسماع لستصدار أمرٍ بالقبض على هذا الشرير.
أخذ رئيس الشرطة يحدث الأمير عن سلبية الناس ومساندتهم للظلم ولكن الأمير مد يده لرئيس الشرطة بشكوى خونانوب الســابعة . قرأ رئيس الشرطة عبارات الشكوى والتى جاء فيها :
" لا تكن عنيداً فالعناد ليس من شيمتك , لا حياة لفقير مالم يكن له فى العدالة منزلة, سيضيعك إهمالك , ويؤذيك جشعك , وسيخلق لك الاله ,أعداء"
بعد كل هذه العبارات القاسية إلا أن الأمير وجه لطمة قاسية إلى رئيس الشرطة بعدم أمره بالقبض على دجحوتى وعندما علم دجحوتى بالأمر أقام حفلا عظيما بإنتصار الشر ومن هنا تأكد لدجحوتى أنه يحظى بحماية الأمير- حاكم الإقليم - مباشرة ولن يمسه الضرر خاصة أن الشاكى فلاح بسيط , لكن رئيس الشرطة شعر أن الواجب يناديه وأنه ليس من الأمانة السكوت عن هذا الظلم بان يرى اللصوص ولا يضرب على أ يدهم ولن يقبل بأن يشاهد الظلم دون مواجهته و أن يكمل أدلته بموضوع الفلاح "خونانوب" . و بالفعل ذهب رئيس الشرطة إلى خونانوب و طلب منه أن يقص عليه حكايته ووعده بإصدار أوامر بالقبض على " دجحوتي نخت" بأمر من الملك شخصياً , فقص عليه" خونانوب" حكايته و أرسل معه الشكوى الثامنة ليرسلها إلى الفرعون . سعد كلٍ من خونانوب و زوجته و إبنه تحوت و قضوا ليلة رائعه, و بالفعل ذهب رئيس الشرطة إلى فرعون مصر و عرض عليه أمر" دجحوتي نخت" و قدم إليه شكوى الفلاح- الثامنة- و طلب رئيس الشرطة من الفرعون بالنظر فى أمر" خونانوب " لإستعادة حقه و معاقبه ذلك الموظف الذى يسىء للدولة وللفرعون بأفعاله هذه. فطلب الفرعون من الوزير أن يقص عليه الشكوى والتى جاء فيها :
" الناس معرضون للسقوط بسبب الطمع والجشع وذلك لا يتفق وإياك , أنك تسرق وذلك لا يليق بك , لأن جوفك قد ملىء ولأن مكيال القمح قد طفح وإذا هز , طفح وضاع على الارض . أقم العدل لرب العدل الذى أصبحت عدالته موجوده , أنت أيها القلم ,وأنتِ أيتها البردية ويا أيتها الدواة ويا " تحوت " إبتعدوا عن عمل السوء , فالحق يذهب مع صاحبه الى القبر , أما إسمه فلن يمحى من الأرض , بل سيخلّد بسسب الحق وهذا وعد الإله. وهذا عدل الإله فى كلمته . أقم العدل لإنه عظيم وكبير ويعيش طويلاً والإعتماد عليه يوهب العمر الطويل "
دارت الأرض برئيس الشرطة عندما أمر الفرعون بعدم القبض على" دجحوتي نخت" و فقد توازنه عندما تلقى بأذنيه الأمر الثاني بعدم الإستماع إلى الشكاوي" خونانوب" و انتظر خونانوب طويلا و ذهب لمقر رئيس الشرطة لكنه وجده يتهرب منه كما فعل "رينسي بن ميرو" أخذ " خونانب " يتسأل ماذا يفعل " دجحوتي نخت" لكل هؤلاء ليجعلهم يميلون إليه , يميلون الى الشر على حساب الخير , يميلون لنصرة الظالم على حساب المظلوم فالكل يهرب منه : الملك وحاكم الإقليم ورئيس الشرطة , فماذا يفعل ؟ و تذكر خونانوب كلام زوجته و تذكر الظلم الذي تعرض له من دجحوتي و الأمير . فقرر خونانوب أن يطوي آلامه بداخله و يستسلم, ذهب إلى بيته فوجد تحوت أمامه وقد حمل لوحاً مستطيلاً مصنوع من الجص وعلى اللوح كانت صورة لجيش كبير صنعها تحوت من الطين الرطب , كان الجيش بكل جنوده وأسلحته ملقى على الارض , مهزوم ومبعثر وفى الجهة الاخرى المقابلة للجيش يقف رجل وحيد أعزل والإله ماعت – إله العدل - يقف فى ظهرة , ملتصقاً به , بينما يمتد ثقب من عينى الإله الى عينى الرجل الواقف أمام الجيش المهزوم . نظر تحوت الى أبيه وقال أنظر يا أبى هذا هو جيش الظلم الذى يحاربك كم هو كبير ومسلح لكنه فى النهاية مهزوم , وانظر لهذا الرجل هو أنت يا أبى , فأنت لست بمفردك , إله العدل يحرسك . أنهمرت دموع "خونانوب" . نهض "خونانوب" و قرر بأن يتقدم بشكواه الأخيرة لحاكم الإقليم و كانت الكلمات هذه المرة ملتهبة عما ذى فبل , كلمات لسان حالها يقول ان كاتبها لا يخشى أحد .
"لا تكن ثقيلاً , فما أنت بخفيف . لا تكن بطيئاً فما أنت بسريع . لا تنهر من أتاك مستجيراً . أخرج من صمتك وأقض بالعدل . لا تغمض عينيك عما تراه . لا تقس على من جاء يشكو إليك . عندما يكون المتهم فقيراً والفقير شاكياً يصبح العدو فتاكاً "
وفى ذاك الحين قد أرسل "دجحوتى نخت" هدية إلى قصر رينسى مع أحد عبيدة , فكر حاكم الأقليم أن يرجع الهدية إلى دجحوتى ويوقع علية أقصى العقوبة لرشوته ولكنة قرر أن يدينه بفعلته أمام الفرعون حتى يكون عقابه أعظم وأكبر.
إطمأن دجحوتى لقبول الأمير هديته وعاد إلى قصره مسرعاً يطير من الفرحة وتمتلئ نيته بالشر تحاه ذلك الفلاح البسيط الذى يراح يشكيه لحاكم الإقليم ومن ذا الذى يجرؤ على شكايته , فمن يجروء على شكايته سيكون مصيره مقر الصمت – القبر - بل الموت لكل من يقف فى وجهه.
شاهد خونانوب رئيس الشرطة عند عودة من تسليم الشكوى التاسعة لخادم الأمير وهدده إذا لم يصل ردا لشكواه غدا سيذهب إلى الفرعون ويأخذ حقه بنفسة.
ذهب رئيس الشرطة إلى رينسى بن ميرو وقص علية ما سيفعله خونانوب فأخذ راحلته واتجه إلى قصر الفرعون وقدم إلية آخر شكاوى خونانوب وقرأها وأمرهم بالعودة حتى يبعث إلية بشكواه التالية فأخبروه بما سيفعله خونانوب , فأمر الملك رئيس الشرطة أن يحضر دجحوتى نخت وفى قاعة العرش وقف خونانوب و دجحوتي أمام الفرعون أمر الفرعون خونانوب أن يعرض شكواه , لملم خونانوب كلماته قال )لقد وصلت شكواي إلى جلالتكم و أنا راض بعدلكم )
طمأن الفرعون خونانوب بأنه لن يهمل شكواه و لكن كان يستمتع بحسن بيانه و سحر أسلوبه و ستكون شكواه نموذج للفصاحة و الأدب كما شكر الفرعون الأمير رينسي لطاعته لمولاه و محاوله مساعده خونانوب دون عصيان أوامره و شكر ه رئيس الشرطة على أمانته و أدائه للواجب أما دجحوتى فقد صار عبدا لخونانوب وامتلك خونانوب كل الأموال و الأملاك لعدله وحكمتة. أمر الفرعون بكتابة الشكاوى التسع فى البرديات لتحفظ على مدى الاجيال.
عاد خونانوب عزيزا مرفوع الرأس بالحق بعد أن كتب أعظم مثال لفلاح فصيح صمم عل استرداد حقه حتى ناله .
No comments:
Post a Comment