ليس من سبيل الصدفة والمصادفة ذلك التشابه, الشبه توأمى لحياة ونهاية كثير من ديكتاتورى العالم
فلو قارنا – على سبيل المثال – بين كل من شاوشيسكو (رومانيا ) وزين العابدين بن على (تونس) وكذلك صدام حسين ( العراق )
نجد أن شاوشيسكو كان فى الأصل (صُراماطى) عامل بسيط فقير فى أحد قرى رومانيا يكسب قوت يومه من إصلاح أحذية الناس , وكذلك زوجته إلينا كانت فلاحة لم تنل حظها من التعليم أيضاً, لكنهما وصلا لسدة الحكم فى رومانيا من خلال عضوية الحزب الشيوعى الذى كان يميل للعمال والفلاحين .
وبعد أن وصل شاوشيسكو للحكم وأصبحت زوجته إلينا السيدة الأولى لرومانيا , دعمت مركزها السياسى ووصل الأمر بها أن أصبح تسيير أمور رومانيا من خلالها وليس من خلال سيادة الرئيس أو حكومته ,أصبحت صورة السيدة الأولى لرومانيا جانباً الى جنب لصورة السيد الرئيس فى كل مكان – فى الإحتفالات الشعبية والرسمية والمكاتب و المؤسسات الحكومية والمدارس- لم يقتصر الأمر عند ذلك الحد لكنه وصل إلى أنه كان لإلينا شاوسيسكو رجالها الداعمون لسلطانها داخل الأجهزة الحكومية والأمنية وكانت كلمتهم وصوتهم هو الأعلى , أعلى من صوت وزراء شاوسيسكو . كانت تعين و تفصل وترفت وتأمر بالقتل والإعتقال . كانت كلمتها أقوى من كلمة شاوسيسكو نفسه – الرئيس – منحت إلينا شاوشيسكو نفسها درحة الدكتوراة فى الكيمياء بالرغم من أنها لم تحصل على شهادة البكالوريا طيلة حياة عمرها , بالرغم من أنها لم تدرس الكيمياء أو غيرها لا فى فصول التعليم التى درستها , لإنها لم تدرس مرحلة البكالوريا ( الثانوية العامة ) ولا فى الجامعة التى منحتها درحة الدكتوراة تلك , لانها لم تدرس فى الجامعة .
أسأت إلينا إستخدام السلطة وسحبت السجادة من تحت أقدام زوجها - السيد الرئيس - فأصبح مغيباً ولا يدرى شيئاً عن أمور شعبه , كان العنوان الأساسى والرئيسى للتقارير الأمنية التى تصله هو ( كلـــــه تمـــــام ياريـــــس ) , بنوا جداراً فولازيا معتماً وغير شفاف بينه وبين الشعب , أوهموه أنه المعلم والقائد والزعيم والملهم وكبير العائلة والأوحد والأعلم . لكن كما قلت أوهموه لانه على الصعيد الشعبى , كان العكس تماماً , كانت براكين الغضب تغلى فى نفوس أفراد الشعب نتيجة الخوف من الوشاية بالموت او بالإعتقالات , كانت الإعتقالات دون أسباب وأن كانوا يدعون أنها لأسباب أمنية . والأسباب الأمنية هذه ربما تكون لإستماعه لإذاعة أجنيية أو لأنه تكلم فى السياسة أو ربما لأنه عبر عن رأيه فى السلطة الحاكمة أو فى سياسة البلد , وبالطبع لا أحد يعلم مصير المعتلقين وغالباً ما كان ينتهى بهم الآمر بتقرير أمنى بأن السيد فلان قد توفى فى المعتقل ولكن حقيقة الأمر أن السيد فلان هذا قد تمت تصفيته من قبل الأجهزة الأمنية – داخل المعتقل - , كان الجوع والفقر والمرض والكبت السياسى والديمقراطى. كل ذلك وأكثر نتيجة للإسخدام السىء للسلطة من قبل السيدة إلينا زوجة السيد الرئيس شاوسيسكو ,التى إستطاعت أن تؤسس لنفسها دولة داخل الدولة . وبالرغم من أن رومانيا إستطاعت تسديد كل ديونها الخارجية لتصل جملة الديون إلى الرقم صفر فى عهد شاوشيسكو , بالرغم من أن 90% من المبانى والعمارات الحديثة فى رومانيا الأن تمت فى عهد شاوشيسكو , بالرغم أن رومانيا شهدت نهضة صناعية وزراعية لحد ما – ليست موجودة الأن – فى عهد شاوشيسكو . لكن كل هذا لم يغفر له .. فالشعب كان محروماً من الحرية , فلم يكن مسموحاً بأى حال من الأحوال الإستماع لإذاعات أحنبية , غير راديو رومانيا وتليفزيون رومانيا , كانت الأجهزة الأمنية وسيلة إرهاب للشعب ولم تكن وسيلة أمنية يوما ما , ربما أمنية فقط لحماية السلطة. كان التجمع لأكثر من خمسة أفراد محذوراً على الجميع فى أى مكان وفى أى مناسبة , حتى أثناء سيرهم فى الشارع ,أو خروجهم للتنزه . ونظراً لحالة الكبت والخوف والفقر والإفتقاد للحرية والشعور بالغربة داخل الوطن , وهى كلها نتائج لسياسة السلطة والتى كانت متمثلة فى السيدة إلينا شاوسيسكو , إنفجر البركان الخامد لسنوات , إنطلقت الثورة الشعبية والتى أدت إلى إعدم شاوشيسكو وزوجته علناً , رمياً بالرصاص .
هذا هو وجه لديكتاتور فى شمال القارة الأوربية . تعالوا لنرى وجه أخر لديكتاتور أخر لكنه من شمال أفريقيا ألا وهو زين العابدين بن على ... فالرغم من التباعد الجغرافى والثقافى بين رومانيا وتونس , فرومانيا فى قارة أوروبا بينما تونس فى قارة أفريقيا . رومانيا بلد مسيحى الديانة بينما تونس إسلامى الديانة , رومانيا تتحدث اللغة الرومانية بينما تونس تتحدث اللغة العربية , رومانيا تنتمى للثقافة الأوربية بينما تونس تنتمى للثقافة العربية , ومع ذلك فوجه التشابه بين حياة الديكتاتور الرومانى والديكتاتور التونسى كانت كبيرة الشبه .
ففى تونس , نجد أن السيدة ليلى الطرابلسى - سيدة تونس الأولى- الزوجة الثانية للرئيس زين العابدين بن علي ، إرتبط إسمها بالعديد من قضايا الفساد و التدخلات في شئون الدولة، مما دفع البعض للإعتقاد بانها هي وعائلتها من يحكم تونس وليس الرئيس وخاصة بعد مرضه في الفترة الأخيرة.
ولدت ليلى عام 1957 من عائلة بسيطة، كان والدها بائعا للخضر والفواكه الطازجة، وبعد حصولها على الشهادة الابتدائية، إلتحقت بمدرسة الحلاقة، وأصبحت كوافيرة , تزوجها زين العابدين بن علي، بعد طلاقه من زوجته الأولى نعيمة على أمل إنجاب الذكور - كما أُشاع وقتها - ، وبعد زواجها من الرئيس إستطاعت أسرتها من بسط نفوذها، إذ استحوذ أخوها الأكبر بلحسن، على شركة الطيران ويتهمه تونسيون بنهب قطاعات إقتصادية واسعة .
كما إستحوذ الكثيرون من أقارب ليلى الطرابلسي على قطاعات عديدة من الاقتصاد التونسي. وضربت شبكة أقربائها والمقربين منها خيوطاً عنكبوتية حول كل القطاعات: الهاتف الخلوي، البنوك، التعليم
الخاص .
بسطت ليلى وأسرتها نفوذهم داخل قصر قرطاج - قصر الحكم - حيث كانت لها اليد العليا فى البلاد وفى تعيين الوزراء وأصحاب المراكز السلطوية فى البلاد , تحكمت فى كل شىء وهناك مصادر مقربة منها أكدت بأنه لا يستطيع أحد فى تونس أو قادم من خارج تونس قضاء مصلحة أو إقامة مشروع أو التمتع يإمتيازات داخل تونس مادم ليس على علاقة وفاق مع عائلة الطرابلسى – عائلة سيدة تونس الأولى – وهناك مصادر أخرى أكدت بأن ليلى الطرابلسى هى من أمر بسحب الجنسية التونسية من السيدة سها عرفات وسحبت منها أيضاً القصر الذى كانت تعيش فيه , كذلك مشروع المدارس والذى دفعت فيه سها عرفات قرابة ال 2,5 مليون دولار وطردتها من تونس أثر خلافات شخصية , دافعها الغيرة .حاولت ليلى وإخوانها جاهدين على فرض العزلة على الرئيس زين العابدين بن على ونجحوا فى ذلك , أغـَّروا به من خلال تقاريرهم الأمنيه وأوهموه بانه ( كـلــه تمـــام ياريــــس )
فى ظل ذلك الجو الديكتاتورى من نهب لثروات البلد ورقابة على الممارسات اليومية للأفراد عبر البريد والإتصالات وغلق بعض مواقع الإنترنت ورقابة الباقى منها , فى ظل المعاناة للحصول على لقمة العيش وجو الخوف والرهبه وبطش الأمن بالآفراد , فى ظل غياب الحريات والممارسات الدينية , عاش الشعب التونسى 23 عاماً من المعاناه والذل والظلم , ويبدو أن سيادة الرئيس زين العابدين ما كان يدرى بذلك , ما كان يدرى بمعاناة الشعب - رعيته - ما كان يدرى بما تفعلة زوجته – سيدة تونس الأولى – وأسرتها والسبب أن السيدة وأسرتها وحاشيتها نجحوا فى عزل الرئبس عن شعبه بدليل أن زين العابدين قال فى أخر خطبة له وجهها للشعب : لقد خدعونى , لقد كذبوا علىّ , ما كنت على علم بكل حجم الفساد هذا .... ولكنه الأن علم , بعد فوات الأوان !. حتى جاءت العاصفة , الإنتفاضة الشعبية التى أطاحت بالجميع . وخسر زين العابدين بسبب زوجته التى قيل أنها كانت تعد هى ورجالها للإطاحة بزوجها فى عام 2013 لتتولى هى الحكم من خلال سيناريو محكم كان معداً له .
بالضبط نفس ما حدث تقريباً لشاوشيسكو , راح شاوشيسكو بسبب سوء إستخدام زوجته – السيدة الأولى – للسلطة وإفراطها فى إستخدام السلطة لمصلحتها ومصلحة رجالها وحاشيتها على حساب مصلحة الشعب والبلاد. نفس الشىء حدث فى تونس من قبل زوجة زين العابدين – السيدة الأولى- هذه هى سمات الديكتاوريات أيا كان الإختلاف الجغرافى والثقافى واللغوى فيما بينها . فهى متشابهة فى النشأة وفى الممارسات وأيضاً فى النهايات.
وعلى صعيد أخر وفى مكان أخر , وجه أخر للديكتاتورية , هذه المرة سيكون المثال لديكتاتور من قارة أسيا ألا وهو صدام حسين ديكتاتور العراق السابق.
فبالرغم من حالة النهضة التى شهدها العراق فى عهد صدام حسين وحالة رخاء عاشها الشعب فى فترة ما قبل حروب الخليج إلا أن قطاع عريض من أبناء الشعب كان يفتقد للحرية وكان يعانى من بطش الأجهزة الأمنية أيضاً .
هذه المرة لم تلعب سيدة العراق الأولى الدور الذى تلعبه دائما زوجات الديكتاتوريين , ولكن من لعب الدور هذه المرة , هما إبناه وبالأخص الإبن عُدَىّ الذى غاص فى الملذات والشهوات . الذى إستباح أعراض العراقيات . كان عدى يتلذذ بتعذيب خصومة وناقديه , كان لعدى دولته الخاصة داخل الدولة , أما بالنسبة للسيد الرئيس , فكالعادة , كل من حوله , كل رجاله وحاشيته كانوا يُألهوه , أقنعوه أنه الأوحد والأعظم والقائد والزعيم الأغر , الملهم . دفعوا به لحروب كان فى غنى عنها , إستهلكوه . صوروا له أنه معبود الشعب فى نفس الوقت الذى بنوا فيه حاجزاً بينه وبين شعب . كان صدام دائما يراهن على وقوف الشعب بجانبه , حتى فى معاركه . كان يراهن على أن الشعب سيدافع عنه قبل الجيش والأمن , لأنهم أوهموه بأنه ( كلـــه تمـــام ياريـــس ) ويحضرنى هنا ما قاله السيد عزة إبراهيم - نائب الرئيس العراقى - عن السيدة ساجدة طلفاح – زوجة الرئيس الراحل صدام حسين وسيدة العراق الأولى - حينما شبهها بزوجة الرسول . يا له من نفاق ورياء ....
وراح صدام حسين ضحية لديكتاتوريتة والإستغلال السىء للسلطة من قبل إبنائه وحاشيته .
ألم تروا , ياسادة , أن للحريــــــــــــــــة ثمن بهيظ . قد يستطيع الشعب العيش جوعاً أو فقراً لكنه لايستطيع العيش بدون حريـــــــــة . بدون ديمقراطية حقيقية.
No comments:
Post a Comment