Sunday, 16 January 2011

علاقة البعد الإجتماعى وسلوك المجتمع بتطوير التعليم فى مصـر



لا شك فى أن التعليم هو قاطرة التنمية والتقدم لأى دولة ولأى مجتمع , وهو أيضاً نبع لكل روافد الحياة والمعرفة من زراعة وصناعة وتجارة وسياسة وأدب وثقافة وعلوم ...الخ.
ويقاس تقدم الدول بتقدم التعليم والمؤسسات العلمية  والتعليمية والبحثية والأبحاث العلمية بها, وقد ساهم التعليم دول عديدة فى النهوض من حالة إنكسار إلى التقدم  والنمو خاصة بعد الحرب العالمية الثانية مثلما حدث لكلٍ من  اليابان وكوريا والصين وروسيا وألمانيا وإيطاليا  وغيرها من الدول العديدة.

إذن , الإنسان دوماً فى حاجة للتعليم وكما قال أدينا المصرى العظـيم الراحل طه حسين " التعليم كالماء والهواء" أى لا يمكن الإستغناء عنه ويجب أن يظل مجاناً قدر المستطاع.

لن أناقش هنا مسألة مجانية التعليم ولا التجربة الدينماركية الخاصة بمجانية التعليم  ولا حتى الفنلندية ولكن سأحاول جاهداً الحديث عن التجربة المصرية فى المسألة التعليمية وكيفية تحسينها.
فمنذ أكثر من خمسين عاماً , والمسئولين المصريين يتحدثون عن تطوير التعليم وأساليب التعليم الحديث , أرسلوا العديد من المدرسين وخبراء التعليم للخارج وصرفوا ملايين الجنيهات فى تلك البعثات لكى يأتوا لنا بخبرات الغرب المتقدم لتطبيقها فى مصر من أجل النهوض بالتعليم , لكن الواضح بأنه لا توجد أثار أيجابية ملموسة لجهود هؤلاء الخبراء والمبعوثين حتى كتابة هذه السطور , والسبب على ما أظن يتمثل فى الأتى :
1-     أنهم بمحاولاتهم تسييس هذة التجارب ’ أفقدوها جوهرها ومضمونها , فلم تأتى بثمارها الطيبة التى تحققت فى بلدانها الام.
2-     أنهم لم يقـدّروا فى حساباتهم البعد الإجتماعى لتركيبة المجتمع المصرى .
3-     أنهم تجاهلوا المشكلات الرئيسية المعـيقة لتطوير ونهوض التعليم فى مصر وصبوا كل إهتمامهم على جلب تجارب أجنبية ناجحة فى بلادها لتطبيقها فى مصر- كما يقول الترزى " بدلة ومتفصلة للكل".

 وبذلك وكما هو واضح للجميع فإن التعليم فى مصر تراجع فى الثلاثين عاماً الأخيرة رغم كل الجهود المبذولة طوال الخمسين عاماُ الماضية  وبدليل عدم وجود جامعة مصرية واحدة ضمن قائمة أفضل 500 جامعة على مستوى العالم , وبدليل إتجاه أغلب إخواننا العرب للدراسة فى الجامعات الأوربية  والأخرى الغير مصرية بعدما كان يتباهى خريجوا هذه البلدان العربية بأنهم نالوا قسطاً من تعليمهم فى مصر وكانوا يتفاخرون و يتباهون على الملاء بأنهم خريجوا الجامعات المصرية – خاصة جامعة القاهرة -.

و رأيى أن تطوير التعليم فى مصر مرتبط بأبعاد كثيرة , يجب ألا نغفلها , مثل:
1-     البعد الاجتماعى  والسلوك الفردى لأفراد المجتمع .
2-     هدف الدولة من تطوير التعليم .
3-     سوق العمل الحالية والمستقبلية وعلاقتها بالعملية التعليمية .
4-     تطوير المناهج التعليمية .
5-     تطوير السياسة التعليمية .
6-     تطوير المدارس والوسائل التعليمية .
7-     التدريب المستمر للمدرسين والقائمين على الناحية التعليمية وتقييم  أدائهم بصفة دورية .    
8-     التوسع فى إنشاء المدارس الفنية والكليات التخصصية .
9-     فتح جميع التخصصات بما فيها الشرطية والعسكرية لقبول الإناث للدراسة  فيها - لمن يرغب منهن -.

وعلى الجميــــع أن يعتـــــرف بأن فاقــــد الشـــىء , لا يعطيــــه.

لقد سعت الدولة جاهدة فى كل الأبعاد المذكورة بعالية إلا البعد الاجتماعى , بمعنى مفهوم ووعى المواطن تجاه التعليم وخريجى التعليم . كذلك بعض القواعد الإدارية الخاطيئة فى السياسة التعليمية والتى ساعدت على ترسيخ ذلك السلوك الخاطىء تجاه بعض الخريجين وبعض نوعيات من التعليم كخريجى المدارس الصناعية والطب النفسى والطب البيطرى والتمريض للإناث  وغيرهم ولا أنكر أن الإعلام  قد ساهم أيضا فى ترسيخ ذلك السلوك الخاطىء  لدى المواطن المصرى تجاه هؤلاء الخريجين ولكن دائما الإعلام وخاصة المرئى يأخذ مادته الإعلاميه من واقع الحياه . وإن أردنا أن نلومه , فاللوم هنا  ليس لتناوله تلك المادة ولكن لتسويقه إياها.


فلماذا فشلت تجارب تطوير التعليم الفنى فى مصر بالرغم من أهميته ؟ ولماذا لم يتقبل المجتمع المصرى نظام التعليم الفنى ويحاول جاهداً الإبتعاد عنه ؟
 بالرغم من إهتمام كافة الدول والمجتمعات بالتعليم الفنى لما له من دور أساسى ومهم  وحيوى فى تنمية المجتمع بإعتباره أهم عناصر قاطرة التقدم , فمازالت نظرة المجتمع المصرى للتعليم الفنى , نظرة متدنية  وسطحية جداً , حيث  يصفهم المجتمع بأنصاف المتعلمين , بالعمال , بالأوسطاوات  مع العلم بأننا كلنا عمال فـرئيس الدولة عامل فى الدولة فى وظيفة رئيس دولة ولكن نظرة المجتمع للعامل كما قلت سابقا هى نظرة متدنية وإن كان التفسير اللغوى للكلمة خاطىء - ويحضرنى فى هذا المقام وصفاً طريفاً  وعجيباً نستخدمه فى حياتنا نحن المصريين  , حينما نريد أن نصف إنسان بأنه غير متحضر أو شىء من هذا القبيل أو عندما نصف شىء بأنه أقل من عادى  أو دون المستوى  , فنقــــول " ده بـــــلدى قـــــوى ".
مفاهيم خلقت نوع من الطائفية  والطبقية بين أفراد الشعب, فعندما يذهب شاب لخطبة حبيبته  أو طلب يد فتاة من أسرتها , فأول سؤال تسأله الأسرة " معـــاك شـــهادات ايــــه " وقد يفقد الشاب حلمه بالإرتباط بمحبوبته ليس لجرم إقترفه , بل لأنه حاصل على دبلوم الصنايع  مثلاً , أى أنه عامل أى أسطى  شأنه شأن عامل التراحيل -  مع إحترامى وتقديرى لكل العمال فى مختلف مهنهم وطوائفهم -  ولكننى هنا أناقش واقع  نعيشه . وساعد على ذلك أيضاً  المسمى الوظيفى لهؤلاء الخريجين فى ملفات خدمتهم والذى بالتبعيه يكتب فى بطاقات الهويه  الشخصية -  بطاقة تحقيق الشخصية - وفى جوازات السفـر فنجد هذا عامل برادة  وذاك  عامل خراطة  وهذا عامل لحام وذاك  عامل كهرباء أو كهربائى
وهذه الألقاب يحصل عليها كل مزاولى للمهنة دون الحاجة للتعليم والحصول على شهادات تعليمية , فما الفرق إذن بين عم محمد الكهربائى الأمى الذى لا يجيد القرأة والكتابة وبين ذلك الحاصل على دبلوم الصنايع الذى قضى 12 عاما فى المدارس بدأها بالمدرسة الإبتدائية ونهاها بالمدرسة الثانوية الصناعية ؟ لا شىء سوى علاوة إجتماعية قدرها جنيه ونصف تضاف إلى مرتبة الأساسى  عند بداية تعيينه فى الوظيفة ولا شىء أخر.
لن ألقى الضوء هنا عن صورة هؤلاء- خريجى التعليم المتوسط - وأخص منهم خريجى المدارس الصناعية والتمريض للإناث - فى الإعلام المصرى وإتخادهم مادة كوميدية للتسلية والإضحاك , ولكنى سؤجل الكلام عن دور الإعلام فى الشأن لمقال أخر – إن شاء الله -.
أضف الى ذلك , الصعوبات القسوى التى يواجهها هؤلاء الخريجين الراغبين فى إستكال تعليمهم الجامعى وتحطيم أمالهم وأحلامهم فى التعليم العالى والحصول على شهادة جامعية أمام قوانين وقواعد نظام تعليمى حالى , عقـيم.
أضف الى ما ذكرته سالفاً , نظرة المجتمع للممرضات , وإتهامهن بسوء السلوك , حالة مرضية يعانى منها مجتمع لا يفرق بين المريض النفسى والطبيب النفسى الذى يقوم بعلاجة وتأهيله.

لقد إختصرت السياسة التعليمية المصرية عناصر تطوير التعليم فى تحسين أحوال المدرسين .ظنوا بأنهم سيقضون بذلك على الدروس الخصوصية وتطهير ضمائر المدرسين وبالتالى سيقومون بواجبهم على خير وجه داخل الفصول , فكيف يحدث ذلك وأنا أعلم أن هناك بعض مدرسين تخطى دخلهم الشهرى من الدروس الخصوصية حاجز الـ 15000 جنيه ؟ كيف وأنا أعلم بأن أحد مدرسى الدروس الخصوصية يغيـّر سيارتة للموديل الأحدث كل عام ؟ فهل ستعطيه وزارة التربية والتعليم راتب أكبر من دخله من الدروس الخصوصية لإقناعه بالأقلاع عن الدروس الخصوصية  والله لن يحدث هذا حتى لو فعلوها - فالبحر يحب الزيادة -
المشكلة يا سادة , أن الرغبة فى الحصول على شهادة جامعية أياً كان تخصصها بهدف البعد عن التعليم المتوسط والفوق المتوسط  وإرضاءً لسلوك إجتماعى مرضى بالمجتمع هى السبب الرئيسى فى الدروس الخصوصية , أضاف لذلك بعض القرارات العقيمة فى السياسة التعليمية كعدم إمكانية الإلتحاق بالتعليم الجامعى إلا بشرط الحصول على الشهادة الثانوية للعام الحالى أى أن الحاصل على الشهادة الثانوية فى أعوام سابقة , محروم من التعليم الجامعى عقاباً له على ظروفه الإجتماعية التى ما مكنته من الإلتحاق بالجامعة فى نفس سنة تخرجه من المدرسة الثانوية . أضف الى ذلك أيضا عدم تكافؤ الفرص أمام خريجى المدارس الفنية بالإلتحاق بالجامعة كنظائرهم خريجى الثانوية العامة . وغيرها من السياسات التى ساهمت فى الحالة المرضية لسلوك المواطن المصرى تجاه التعليم وبعض فئات من خريجيه.

إذاً علينا بالبدء فى تغيير سلوك المجتمع تجاه التعليم والخريجين - أولاً- حتى نقضى على فوبيا عدم الحصول على شهادة جامعية . علينا الإهتمام بالتعليم الفنى وتهيئة المجتمع لقبول خريجية والتعامل معهم على أنهم عناصر مهمه فى قاطرة التنمية والتقدم من خلال مجموعة من القوانين
التى أظن أنها ستساهم كثيراً فى حالة التطوير المستقبلية للتعليم.
فلماذا لا نلغى مسمى الثانوية العامة ونؤسس نظاماً جديداً للمرحلة الثانوية . فلتكن البكالوريا مثلاً ويكون لها تخصصات  هندسية أو صناعية أو تكنولوجية  , علمية , حاسبات ومعلومات , تجار وإقتصاد , تدريس  , تمريض و خدمات صحية  , زراعة وغيرها من التخصصات المختلفة . بكالوريا تكون شهادتها صالحة للعمل بها كفنى فى مجال تخصصة  وتسمح لحاملها بالإلتحاق بالجامعة فى الكلية المتوافقة لدراسته التى أتمها فى مرحلة البكالوريا فى أى وقت يشاء وفى أى سن حتى وإن تخطى سنه السبعين , حتى وإن كان حصوله على البكالوريا قد تم منذ خمسين عاماً.
لماذا لا نلغى نظام مكاتب التنسيق ونستبدله بإختبارات قدرات تحددها الكليات المعنية للراغبين فى الإلتحاق بها بغض النظر عن المجموع .
أظن بذلك سنخفف الضغط عن الأسر المصرية التى تنفق 60% من دخلها على الدروس الخصوصية بهدف ضمان حصول أبنائهم على مجموع فى الثانوية العامة تمكنهم من الإلتحاق بالجامعة وحصولهم على الشهادة الجامعية .... فعندما تكون هناك فرص عمل متكافئة لجميع حاملى البكالوريا للعمل بها كفنيين و عندما يتيقن حاملها من أنه يستطيع الإلتحاق بالجامعة للدراسة فى الكلية المتوافقة مع الشعبة التى أتم دراستها فى مرحلة البكالوريا , سنقضى بذلك على الحالة المرضية للمجتمع والمتعلقة بالتسابق مع الزمن من أجل الحصول على شهادة جامعية اليوم قبل الغد , لمجرد أن يقال بأنه أو بأنها جامعية. وقد يساهم ذلك فى إقصاء مشكلة الدروس الخصوصية  بالمجتمع – فلن يعد لها مبرر –

هذا عن البعد الإجتماعى وكيفية علاج حالة مرضية سلوكية أصابت المجتمع المصرى منذ فترة طويلة نتيجة لسياسات تعليمية خاطئة سابقة ومازالت, وإلى لقاء فى مقال أخر نستكمل فيه نظرتنا لتطوير التعليم المصرى والوقوف على ما به من إيجابيات وسلبيات .














No comments:

Post a Comment