الثورة هى تمرد جماعى أو شبه جماعى على أوضاع لا يرتضيها فئة من المجتمع أياً كان عددهم و يطلق على هذه الفئة مسمى الثوار وهذا التمرد ربما يأتى من عسكريين فيكون إنقلاباً عسكريا بهدف تغيير نظام الحكم بسبب فساد الحكم والنظام الذى إنقلب عليه العسكريين وفى هذه الحاله تصـب نتائج هذا الانقلاب فى صالح الوطن والمواطنين كالذى حدث فى ثورة يوليو 1952 بمصر . أو قد يكون إنقلاباً عسكرياً طمعاً فى السلطة من فئة ما داخل الكيان العسكرى للدولة كما يحدث غالباً فى بعض دول أفريقيـــــــا .
وربما يأتى التمرد من فئات الشعب المحكومة ضد حكم ونظام فاسد ظلم وأضر بالبلاد والعباد وهنا يسمى هذا التمرد بالثورة الشعبية. وأكدت التجارب بأن نتائج الثورات الشعبية عبر التاريخ كانت أعظم بكثير من نتائج الانقلابات العسكرية بكل أشكالها وأسبابها.
وللتعرف على الثورات الشعبية ونتائجها نعرض على حضراتكم بعض منها :
1- ففى عام 71 ق.م وفى رومــــــا القديمة حيث كان الإقطاع والإستعباد وتجارة الرق وغيرها من الأساليب المهينة للإنسانية , حدثت ما عرف بثـــــورة العبيد والتى قادها " سبارتاكوس" انتقاماً لمقتل زوجته , فقاد ثورة مطالباً بالتحرر له ولكل العبيد فى روما , إنضم إليه أكثر من مائة ألف من العبيد وثاروا فى وجه الإمبراطورية الرومانية بكل جباروتها فى ذاك الوقت , أذاقوا العبيد ,الجيش الرومانى هزائم عدة إلى أن تدخل جيش " بومبى" لنصرة الرومان وهزموا جيش سبارتاكوس ولكن ظلت ثورة العبيد هذه ملهمة لكل عبيد العالم ولكل المقهورين والذين عانوا من التمييز العنصرى وأتت بثمارها ونتائجها المبهرة بعد سنين متمثلاً فى تحرر العبيد الأمريكان وفى سن قوانين تجرم العنصرية والتمييز والرق ليس فقط ضد السود بل أيضاً للأقليات فى جميع ربوع العالم.
2- وفى عام 1789 وبالتحديد فى فـرنســـا , قامت ثورة شعبية أخرى وإمتدت لسنوات ضد التمييز الطـبقى الذى كان يعانى منه المجتمع الفـرنسى والفوارق الإجتماعية بين طبقة النبلاء والارستقراطيون من حهة وبين المعدومين من أبناء الشعب الفرنسى من حهة أخرى وكانت هى الطبقة التى تمثل الســـواد الأعـــظم من الشـــعب الفرنســى .
طالب الثــــوار بالمساواة والحرية والعدالة الإجتماعية , الأمر الذى دفع الثـــوار الى إقتحام سجن الباستيل الشهير – وكان من أشهر سجـون أوروبا فى التعذيب والقمع – فى ذلك الوقت
دامت الثورة عشرة سنوات تقريباً ونجحت فى تحويل فرنسا من النظام الملكى للنظام الجمهورى وأرست مبادىء الحـرية والعدالة والمساواة فى ربــوع فــرنسا والتى أنتقلت – المبادىء- بدورها لباقى أو لمعظم دول أوروبــــا تباعــاً.
3- أما فى أكتوبرعام 1917وفى روسيا كانت هناك ثــورة شعبية أخـرى من نوع أخر عرفت بالثورة البلاشفية والتى ثارت بقيادة " لينين " ضد قيصر روسيا والاسرة الحاكمة بهدف القضاء على الرأسمالية الإقطاعية . نجحت الثورة فى تغيير نظام الحكم القيصرى وإقامة جمهورية إشتراكية بهدف المساواة بين جميع أفراد الشعب , ومن ثم تأثرت كل أوروبا الشرقية بالنهج السوفيتى الذى دعى إلى الإشتراكية وأعطى دوراً مهماً للعمال والفلاحين ولكيان الدولة وإنضم معظم جمهوريات أوروبا الشرقية إلى إتحاد عرف فى الماضى القريب بدول الإتحاد السوفيتى.
4- أما فى عام 1925 فقد ثار الشعب الصــينى بقيادة " ماوتسى يونج " متأثراً بما حدث فى روسيا ويحق القول بأنه تبنى تعاليم ماركس الشيوعية والتى تنادى بالاشتراكية وسقوط الرأسمالية الإقطاعية , أمن ماوتسى يونج بأن العمال والفلاحين هم ركيزة البناء وتقدم الصــين الحديثـة وبعد فترة وبعد أن تغيرت الصين للأفضل , قاد ماوتسى يونج ثورة ثقــافية كبرى وكان فى السبعينات من عمره مستعيناً بطلبة المدارس والجامعات فيما عرف بالجــيش الأحمر ولكن هذا الجــيش الأحــمر دفع البــلاد لفـوضى غير محـمودة ودخـلت البلاد فى حرب أهلية ولكن سرعان ما أصلح ماوتسى ما أفسده الجيش الأحمر وقتها بعد إنتصــــاره فى الحـرب الأهــلية وأسس جــمهورية الصـين الشــــعبية .
ويمكننا القول بأن الشيوعية الصينية نجحت فيما لم تنجح فيه الشيوعية الروسية بدليل إستمرار الجمهورية الشيوعية فى الصين حتى الأن ويحسب لها ذلك التقدم العظيم الذى جعل الإقتصاد الصينى من أقوى إقتصاديات العــالم فى الربع قــرن الأخــير و غزت بمنتجـاتها كل أسواق العــــالم , شـــرقه وغــربه.
5- وفى عام 1959 ثارالكــوبيون بقيادة " كاسترو " ورفيق نضاله " جبفارا " ضد نظـام " باتيستا " الفاسد الموالى للأمريكان وبالرغم من وجود كــوبا فى القـارة الأمريكـــية ويعتبرها السـياسيون والمحـللون بالحديقة الخـلفية للولايات المتحـدة الأمريكــــية إلا أن كاسترو تأثر بالنهج الشيوعى المركسى الذى كما أشرنا سابقاً ينادى بالإشتركية ويناهض الرأسمالية الإقطاعية , كما قامت الثورة الكـــوبية فيما بعد بمؤازرة الثورات والحركات الشــعبية المطالبة بالحـــرية والإســــتقلال من الإســــتعمار.
6- وفى عام 1979 كانت الثورة الإيــرانيــــة – ثورة شعبية – لكنها قامت على نهــج دينى مستخدمةً الدين فى تحريك القـــوى الشعبية ضد نظــام ملكــى فاسد كان يحكــمه الشاهنشاه محمد رضا بهلوى والذى أتهم بعمالته للأمريكـــان وبمصادرة الرأى الأخر وبالفساد الأمر الذى أدى بالإطاحة به وبأسرته وإقامة الجـــمهورية الإســـلامية بزعامة " الإمام الخمينى "- الذى كان منفيا فى فرنسا بأوامر من الشاه - بدلاً من النظــام الملكـى السابق.
7- وفى عام 1989 ثارت ثورة الشعب الرومـــانى ضد الديكتاتور نيكولاى شاوشيسكو
الذى حكم البلاد بيد من حديد ويد من نـار , وتعد الثورة الرومانية أول ثورة من نوعها فى أوروبـا الشرقية ضد أحد الأنظمة الشـيوعية - فى عصرنا الحديث - وإن كانت شيوعية النظام لم تكن هى السبب الأساسى والمحرك للثورة وقتها بل كانت لأسباب إجتماعية وسياسية حيث ثـار الشعب ضد الفـقر والكبت مطالباً بالحــــرية وبالتحـــرر من الخوف والقيود التى عانى منها طيلة فترة حكم شاوشيسكو بالرغم من نجاحه فى سـداد كل ديون رومانيا الخارجية وأصبحت رومانيا بلا ديون خارجية فى أواخر عهده , بالرغم من أنه بنى 90% من كل مبانى رومانيا فى عهده ,بالرغم من النجاحات اعديدة التى تمت فى عهده على مستوى العلاقات السياسية الخارجية والزراعة والصناعة والتصديروالرياضة , لكن مطلب الحــرية والعدالة لم يغفر له ما صنعه وحكم على شاوشيسكو وزوجته بتهم الفساد وتم إعدامهما رمياً بالرصاص وإنسـلخ الرومان من الحكم الشــيوعى وبدأوا دولة رومانيا الحرة.
وإلـى اللقاء فى المقال القــادم والذى سوف نتحدث فيه عن الثــورات العربية.
No comments:
Post a Comment