جاءت الثورة بأهدافها النبيلة أملاً فى القضاء على الفساد بمختلف صوره السياسية والإجتماعية والمالية والأخلاقية والأمنية وغيرها من صور الفساد التى تفشت فى عهد المخلوع مبارك , جاءت الثورة مطالبة بالحريات المسئولة وبالديمقراطية والمساواة والعدالة الإجتماعية .
جاءت الثورة والتـف حولها كل طوائف الشعب المصرى الذى عـانى الفقـر والحرمـان والتهميـش والإسـتبداد والتغريب عـلى أرضه لعقــود طــوال , كــان المشـهد عظــيماً ويدل عـلى وعـى من اخرجوه , كـان عظـيماً عندما رأينا الشباب يقومون بتأمين موقع الحدث فى ظل غياب امنى كـان يجـب ألا يكــون , كان عظيماً فى تكـاتف كل المصريين بمختلف إنتماءتهم وأعمارهم فالمسلم بجوار المسيحى , الشاب بجوار الفتاة , الطفل بجوار الكهل العجوز , رجل الدين المسيحـى بجـوار شقيقه رجل الدين المسـلم , الكل ايد واحده , كـان عظيمـاً حينما قام الشباب بحراسة الشوارع والمجتمع والمنشأت ليـلاً فيما عـرف باللجان الشعبية , كـان عظيمـاً حينما قام الشباب فتية وفتيات بحملة نظافة لمكـان الحدث – ميدان التحرير- وطلاء ارصفته وأيضاً حينما قاموا بتنظيم المرور . كـان المشهد عظيمـاً فى سلميته وفى سلمية الثورة , كـان عظــيماً فـى شـعبيتـه وفـى تصــديره للوجـه المصـرى الحضــــارى المشــرف لجميـع دول العـالم عبر شاشات التليفزيون , الأمـر الذى أبهــرهم وأجبرهم عـلى إحترام المصرى وغير فكــرهم ونظــرتهم لمصــر والمصـريين.
هكــــذا كــان المشـهد فــى بـدايـة الثــورة , إلا أن المشهـد اخـذ فـى التغير شـىء فشـيئاً وأصبحـت المشــاركــة فيـه أنتمائية فصــائلية حيث وجد كل فصيل ضـالتـه فى هذا المشهد الذى سيغير وجه الحياة المصرية وربما المنطقـة العربيـة بأثـرهـا , فمنهم من كان صـادقـاً مع المشهد وأهدافه ومتطلباته –أى متطلبات الثورة – ومنهم من ركب الموجه لجنى مكاسب خاصة سواء كانت مكاسب شخصية او فـئـوية , ســواء كــانت مكـاسـب مشـروعة أو غـير مشـروعـة .
منهم من دخل المشهد بدون هدف ولا غاية فقط دخله للتنفيس عن كبت عانى منه لسنوات طوال ومنهم من وجد فى المشهد فرصته لتحقيق مكاسب غير مشروعه فى ظل غياب امنى منظم واظن انه مدبر أيضـاً ومنهم من دخل المشهد ليلعب دور عرائس الماريونت , تحركه أيــادٍ خفيه فى الظلام وهو لا يملك من أمـر نفسه لا حول ولا قوة , ومنهم من دخل المشهد ليعيد دور نيرون وشمشون الجبار الـذى ثـار غيظـاً وغضـباً من بنى قـومه الذين اتهموه بالإسـتبداد والفساد وطالبوه بالحرية والإصلاح فقــرر أن يحرق ويدمر ويهد المعبد على من فيه طالما أنـه سيصبح خــارج المشـهـد ولا وجود له بعد اليوم ومنهـم مـن هـبط عـلى المشــهد ببراشــوت صناعـة أجنبيـة لا محـلية .
كــل هـذا أمـر طبيـعى , وغالبـاً ما يحـدث مـع كـل الثورات , وقد يكــون طبيـعى أيضــاً أن يقــوم بعـض البلطجـية والخـــارجين على القانون واللصوص بـــإسـتغلال الظروف لممارسة دورهم فى السلب والنهب والسرقة بدافع شخصى , لكــن أن تكــون هنــاك جهة او جهات مســئولة تدفع بهؤلاء بغرض النهب والسرقة وترويع المواطنين وخلق حالة من الفوضى , وأن تقــوم جهات مســئولة بتهريب المجرمين والقتلة والخطرين على المجتمع من محابسهم وإطلاقهم فى المجتمع كالكـلاب المســعورة !!! فهـذا أمــر عجيب غريب فــاق كـل مـا جــاء فـى قصــة عـلى بـابـا والأربعـــين حــرامى , فكـــان لعـلى بــابـا أعوان من اللصوص عـرف عــددهم بأربعــين , لكــــن علـى مـا يبـدو أن أعـــوان مبـــــارك قــد يتخطــون المليــون .
تجـــاوباً مع مطـالب الثــوار ورجـالات الثورة سـيستجـيب المجلـس العســكرى لتفعـيل قـانون الغـدر وسـيحـذر ممارسـة العمـل الســياسـى والبرلمانى علـى فـلول النظــام السـابق وخــاصة عـلى أعضــاء الحزب الوطــنى الســابق ( حزب على بابا ) الـذى ســقط وســقط رجــاله متلبسـين بالســرقة واقتراف الجــرائم وإســتغلال مناصـبهم , لكنهم بعد الثورة تلونوا كالحـرباء وشكـلوا أحزاباً جـديدة تحـمل أسماء هم بعيدون كل البعد عن سماتها وأصبحنا الأن فى مواجهة مع عشرة أحزاب خرجت من رحم الحزب الوطنى المنحل , وبالطبع سيواجهون العزل السياسى وعدم ممارسة العمل السياسى والبرلمانى بموجب القوانين المنتظرة .
فهـل ياترى ســيحترمون رغبة الشعب ويوافقـون على عدم ممارستهم للعمل السياسى والبرلمانى ولو لحين مـؤكـدين بذلك وطنيتهم التى يتدعونها , ام انهم سيخططون لمزيد من الفوضى والجرائم ويشعلونها حرباً اهلية رداً على عزلهم السياسى وخروجهم من المشهد الأن ؟
No comments:
Post a Comment